الخميس، 25 ديسمبر 2008

ما السر الكامن ....وراء فرعون مصر


ندما نتحدث عن الفراعنة الذين حكموا مصر منذ قرون ، لابد لنا ان نشير الى بعض المعلومات الهامة حول هذا الموضوع ، فكلمة فرعون لها اصول في اللغة العربية ، فمثلاً ( فرعن وفرعنه ) تعني الرجل: تكبرَ وكان ذا دهاء ونكر ، وكلمة ( تفرعن ) أي تفرعن فلان علينا ، تعني: طغى وتجبر وتخلق باخلاق الفراعنة ... وما اكثرهم في زماننا من دهاة وجبابرة ..... كما أطلق لقب فرعون على ملوك مصر حصراً والمعنى كل طاغٍ متمرد .
وهنا سنتكلم عن حقبة فرعونية من تاريخ مصر وبالذات عن الفرعون رمسيس الثاني واسمه الملكي (روح رع ، محبوب أمون ) وهو ثالث فراعنة الاسرة التاسعة عشر وقد حكم مصر 66 سنة من عام (1212-1279 ق.م) وقد صعد سدة الحكم في العشرينات من عمره لذا هو عاش حتى بلغ التسعينات من عمره ، واغلب علماء المصريات يعتقدون ان فرعون خروج اليهود من مصر أي هو الفرعون الذي عاصر موسى عليه السلام .
ومن خلال البرديات والمنحوتات سنخوض في حياة هذا الفرعون ، فمثلاً هو تزوج عدة زوجات من بينهم (نفرتاري و ايزيس و ماعت والاميرة حاتي ) وبلغ عدد اولاده 90 ابنه وابن منهم (ستناخت والامير خائموسن والفرعون الابن الذي خلفه مرنبتاح ) .
اما حياته المهنية فقد قاد رمسيس الثاني عدة حملات باتجاه بلاد الشام الذي كان يحكمها الحيثين ولم ينتصر في هذه المعارك أي من الطرفين وبالتالي ابرم رمسيس الثاني اقدم معاهدة سلام في التاريخ في العام 1258 ق.م مع حاتوسيليس الثالث ، كما توجهت انظار هذا الفرعون الى بلاد النوبة في الجنوب واقام العديد من المعابد واكثر عدد من التماثيل الضخمة في مجمع ابو سمبل وبذلك حطم الرقم القياسي لعدد التماثيل التي اقيمت له في ذلك الوقت ، ولو انني اعتقد ان هذا الرقم القياسي ربما قد كسر من قبل فراعنة آخرين ، وكما نعلم ان الدوام لله تعالى وكما قال تعالى في محكم كتابه الكريم (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) سورة آل عمران، الاية(185) .
ومات فرعون ودفن في وادي الملوك (المقبرة Kv7 ) ، ثم اكتشفت جثته عام 1881 ونقلت الى المتحف المصري في القاهرة ،كان رمسيس فارع الطول وصلت قامته الى اكثر من 170سم ، كما ان الفحوصات الطبية على موميائه اظهرت وجود شعر احمر وعلى الاغلب هو مخضب لان الرجل في التسعينات من عمره لايبقى من لون شعره الاصلي شئ ، كما بينت الفحوصات انه كان يعاني من الروماتيزم خلال سني عمره الاخيره .
وعودة على موضوع علاقة رمسيس الثاني بنبي الله موسى عليه السلام فهناك آراء متفاوته ومتضاربة حول هذا الموضوع اود ذكرها هنا ، وقبل الخوض في ذلك يجب ان نشير الى ان احد الاراء يقول ان موسى عليه السلام عاصر فرعونين اثنين وليس واحداً ، الفرعون الاول هو الفرعون الذي عاصره خلال فترة ولادة سيدنا موسى والفرعون الثاني هو الفرعون الذي عاصره خلال فترة رحيل موسى مع اليهود (بني اسرائيل) من مصر ، والدليل عل ذلك الاية القرآنية من سورة الشعراء (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) الآية(18) ولم يقل (أَلَمْ أُرَبِّكَ وَلِيدًا ) أي نحن الذين ربيناك ويعني بذلك آباه على الاغلب وبهذا يكون رمسيس الثاني هو الفرعون الاب و مرنبتاح هو الفرعون الابن ، علماً ان الآية السابقة لم تذكر في القرآن الكريم الا مرة واحدة في حين ذكرت كلمة فرعون (74) مرة .
كما درس الباحثون التواريخ المذكورة في التوراة والتواريخ في النقوش الفرعونية ووجدوا اختلاف كبير بينهما وبذلك لايمكن الاعتماد على النصوص التوراتية في تحديد التواريخ ، ورجوعاً الى الفرعون رمسيس الثاني فقد فحصت موميائه بدقة من قبل العلماء وقد اشاروا ان مومياء رمسيس الثاني لايوجد عليها آثار الموت غرقاً علماً انهم اكتشفوا التهابات في لثته ولم تظهر أي علامات تشير الى ان جثته كانت في الماء لمدة طويلة .ومن الجدير بالذكر انني زرت المتحف المصري خلال العام 2007 ودخلت قاعة المومياءات وتفحصت مومياء رمسيس الثاني الموضوعة في صندوق زجاجي ولاحظت ان الاصبعين الخنصر والسبابة فقط كانتا بأظافر طويلة يصل طول الواحد الى سنتيمتر ونصف تقريبا، كما لاحظت في القاعة الكبرى من المتحف تمثال لرمسيس الثاني وهو طفل صغير واصبعه في فمه وتاريخ التمثال محدد بتاريخ (1223-1290 ق.م) ، لذا نلاحظ هناك اختلاف في التواريخ وانا اعتقد ان هذا التاريخ هو ادق من التاريخ السابق (1212-1279 ق.م) والدليل على ذلك ان مومياء الفرعون الابن مرنبتاح الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني والذي حكم بعده قد توفي عام (1213ق.م) .
اما الرأي الاخر ، فهو ما أشار اليه الطبيب والجراح الفرنسي (موريس بوكاي) وهو أحد الاطباء الذين قاموا بالكشف على جثة رمسيس الثاني وذكر ان آثار الموت غرقاً كانت موجودة على جثته اضافة الى وجود آثار لملح ماء البحر كما ذكر ان اشعة x اظهرت تكسر العظام دون تمزق الجلد واللحم وبهذا نحن اصبحنا اما مفترق طرق ، فالاية القرآنية (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا ) قد تكون من الاعجاز اللغوي للبلاغة في القرآن الكريم وهي احدى السمات التي تميز القرآن الكريم ، وهو بذلك يكون هو فرعون مصر في الولادة والخروج سوياً ولايوجد غيره ، وبذلك يكون الفراعنه قد جلبوا جثته من الجانب الاخر بعد غرقه بزوارقهم ثم قاموا بتحنيطه ، وبذلك اشار القرآن الكريم بالاية (91) من سورة يونس (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً) وكذلك الاية (90) من نفس السورة (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
وعلى العموم سواء كان فرعون الاب او الابن هما اللذان عاصرا موسى عليه السلام ، الا انه من الثابت ان القرآن الكريم اشار للاثنان او لواحد منهما بالمعنى (آل فرعون) في اربعة عشر موضعاً ، وان الاثنين اصبحا آية للعيان وهما معروضان في قاعة المومياءات في متحف القاهرة كمومياءات محنطة لاحول لها ولاقوة والعبرة قد تكون ، اين هي قوتك يا فرعون .... اين هي جبروتك ........! و (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) سورة الرحمن
الدكتور اسامة محمد سعيد النعيمي و الدكتور رياض خليل البرهاوي

ليست هناك تعليقات: