الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

الخميس، 9 أغسطس 2012

مسرح خيال الظل


قد يبدو الموضوع معروف لدى المجتمع ، ولكن هناك خفايا حول هذا الفن وددت ان القي الضوء عليها من خلال هذه المنشورة البسيطه ، واول شئ يجب ان نعرف ماذا نعني بمسرح خيال الظل ، فخيال الظل Ombres chinoises هو نوع من المسارح الشعبية، قوامه تحريك مجموعة من الدمى وراء ستارة رقيقة بعد إطفاء النور في قاعة العرض وتسليطه على الدمى بحيث تبدو ظلالها على الستارة المواجهة للمتفرجين. ويقوم بتوقيع إشاراتها وخطواتها، ونقلها من موقف إلى آخر، اختصاصي أو أكثر من غير أن يبدو له أثر على الستارة. وتكون حركاتها مطابقة لمضمون الحوار العامي المسموع، وموافقاً للألحان المرافقة له. وهي مصنوعة عادة من الورق المقوى أو الجلد المضغوط، ومن المعروف أن إقبال المتفرجين على خيال الظل كان كبيراً، وبقي في ازدياد إلى أن شاع المسرح والسينما، فتوقف النشاط فيه، وكان في الماضي وسيلة رائجة من وسائل التسلية، والترفيه عن النفس، فعُني به الناس والأدباء عناية خاصة ، وليس في التاريخ إشارة واضحة إلى مصدره الأول، لأن بعضهم يقول انه انتقل من تركيا إلى العرب فأوربا، ويذهب آخر إلى انطلاقه من الشرق الأقصى، ومن الصين بالذات، وانتقاله من خلال الأقوام الزاحفة غرباً، إلى الأتراك، ومن ثم إلى العالم العربي والغربي ، على كل حال سأتطرق الى بعض المعلومات التاريخية حول اصل مسرح خيال الظل ، فهناك من اشار الى نشوءه في الشرق الأقصى وبخاصة في الصين وجاوه منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت موضوعاته تدور حول محورين اثنين في المقام الأول: السحر وعبادة الأسلاف. ثم انتقل من الشرق الأقصى إلى البلدان العربية وشمال إفريقيا وتركيا، ومن ثم إلى اليونان حيث حظي برواج واسع. حتى إذا كان القرن الثامن عشر نقل الرحالون الأوروبيون العائدون من الشرق هذا المسرح البدائي إلى أوروبا الغربية حيث عرف باسم (الظلال الصينية) Ombres Chinoises .
ويقول المؤرّخون إنّ مسرح خيال الظلّ، المستعمل للترفيه والتربية، له تاريخ طويل. ويُرجِعون هذا التاريخ إلى ألفي سنة تقريباً، ويُرجِعُ بعضهم هذا التاريخ إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إلى أيّام أفلاطون، حيث روى هذا الفيلسوف قصّة الكهف: تطواف من الظلال الّتي تتحرّك على جدار الكهف، ولهذه الظلال أشكال مصدرها أجسام حقيقيّة، تبدو في الظلال مثل الدُمى. لكنّنا لا نعرف هل اعتمد أفلاطون على مسرح ظلٍّ معروفٍ في أيّامه أم نسج قصّته من ملاحظته للضلال الّتي يصنعها النور الخلفيّ .وينضوي فن خيال الظل تحت منظومة فنون الفرجة والأداء المسرحي الشرقي القديم، والخيال لغة : ماتشبه للمرء في اليقظة والحلم من صور، واصطلاحا هو لون من الفن التمثيلي الشعبي، وهو فن مسرحي متكامل، إلى حد ما يقوم على إخراج قصة، ذات حبكة وشخصيات، فيقدمها بالتمثيل، من خلال الشخوص والحوار والفعل، بدلاً من سردها سرداً. وعودة الى تاريخ هذا الفن في بلادنا العربية فقد روي أن ابناً لأحد الطباخين في قصر المأمون قد أنذر الشاعر " دعبل الخزاعي " إن هو هجاه أن يخرجه في الخيال كما روي عن حضور صلاح الدين الأيوبي عرضاً لخيال الظل بمصر سنة 1171م ، ولكن مما لاشك فيه أن خيال الظل كان منتشراً في كل من العراق ومصر في القرن الثاني عشر على أقل تقدير، وهو القرن الذي ظهر فيه المخايل المعروف ابن دانيال الموصلي الكحال بوصفه رائداً لهذا الفن ، وابن دانيال ، وهو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن دانيال ، الخزاعي ، ولد عام 1238م في الموصل في العراق ، وتلقى علومه فيها، درس الطب ، ولكن اجتياح المغول للعراق سنة 656هـ دفعه إلى الهجرة ، فارتحل إلى مصر، وهو في التاسعة عشرة من عمره ، فتابع دراسته فيها ، ثم اتخذ لنفسه دكاناً في "باب الفتوح" بالقاهرة ، يكحل فيه الناس ، فعرف بالحكيم شمس الدين ، ثم مضى يعرض على الناس فصوله في خيال الظل ، فذاع صيته ، ويبدو أنه حقق نجاحاً ملحوظاً في عهد السلطان الظاهر بيبرس (1260- 1277م) ، وكان ابن دانيال ميالاً إلى اللهو والمجون ، وله شعر ظريف ، ولكنه تاب في آخر حياته ، ومال إلى التصوف ، قبل أن يتوفى ، سنة 1310م ، وترك ابن دانيال ثلاثة نصوص وهي : "طيف الخيال" و "عجيب وغريب" و "المتـيّم". ويبدو أنها لم تدون إلا بعد وفاته بما يزيد على قرن ونصف القرن

زيارة الى بلاد الخرسان - د. اسامة محمد سعيد النعيمي


زيارة الى بلاد الخرسان
لو عدنا الى كتب وقواميس اللغة العربية لنبحث عن معنى الخرس وتصاريفه لوجدنا كلمة اخرس تعني انعقد لسانه عن الكلام او لم يسمع له صوت وفي السياق اخرسه الله أي رماه بالخرس وكذلك يطلق على الارض التي لا تصلح للزراعة بالسياق اخرست الارض ، كذلك يطلق على الطعام التي تأكله المرأة النفساء بالخراس ، كما يطلق على السحابة التي ليس فيها رعد ولابرق بالخرساء ، وقد تأتي خرِسَ من باب طَرِبَ ،وقد سميت بلدان بُخرَسان والمنتسب اليها يسمى خرساني ، وقد لايكون للتسمية معنى الخرس لكل اهل خرسان .
على كل حال قبل ان نبحث عن الخرس في بلاد خرسان فلنجري جولة في لفظ الكلمة العربية الاصيلة التي كرمها الله بقوله تعالى (( انا انزلناه قرآناً عربياً )) .
فالنأخذ مثلاً كلمة " دجاجة " فسنرى اخواننا المصريين وبلاد الشام يطلقون عليها " دكاكه " بل يغيرون حرف الجيم في كل احاديثهم الى حرف الكاف المخففة ، اما اخواننا في الخليج وهم الاقرب لاصول اللغة العربية فقلبوها الى " دياية " فلا عجب ان سمعنا سكان الواقواق يلفضونها " دبابة " ، اما سكان الحدباء فاختزلوا الدال والالف وحولوها الى " جيجي " وجمعها " جيج " والله اعلم كيف طارت حروفها وهي لاتطير .
المهم ليس حرف الجيم وحده مقلوب وانما حرف القاف اذ يلفظه اخواننا العرب بالطريقة الخرساء ، فمثلاً " قام " يلفظونها " ئام " و " قوموا " يلفظونها " ئوموا " وعلى نفس الوتر يلفظون الكلمة اهلنا في الخليج بـ " كوموا " وكأن الامة العربية كان بينهم خرسان فاتبعناهم وتركنا الفصيح من اللغة ، ولاننسى دور الفضائيات وما تبثه من اغاني لاتُقَوم بها اللغة بالقصائد العربية الاصيلة وانما تُقَوم بقصائد غنائية مثل .... بحبك يحمار ..... وبوس الواوا .....، والله يكون في عوننا مع تدهور لغتنا العربية الجميلة .

د. اسامة محمد سعيد النعيمي

السبت، 4 أبريل 2009

في أيام الغربة

أيا بلدي كم خضت من الحروب؟ وكم هي عميقة تلك الجروح؟

 وما الذي حصل لتلك الجموع؟

ما الذي حصل لك يابلدي؟؟؟

أيا بلدي ألم تتعب من القتال؟ ألم تتعب من الدفاع عن مبادئ الخيال؟

ألم تتعب يابلدي؟تشبع الغرب ونجوع؟

"في كل عام حين نعيش الثرى نجوع

                             ما مر عام و{{العراق}} ليس فيه جوع

ومن جوع صغارك يا وطنـــــــــــــي

                             أشبعت الغرب وغربانــــــــــــــا"

أيا {{عراق}} أتعبتك معاركك التي لاتنتهي

وأدمتك سكاكين الخيانة يابلدي

يا من علمتنا الإخاء والوفاء،يامن علمتنا الحياة يا بلد الحياة

مابك صار الموت عنوانك والدماء لونت شوارعك

مابك مآسيك لاتنتهي

مابك صرخاتك بحجم أوطان

عجبي يابلدي تعشق القتال واهلك دوما في انتقال

عجبي عجبي يابلدي كلما يقصف ترابك وتحرق نخيلك كلما تسود سمائك تعود...

تعود أجمل يابلدي

عجبي يابلدي يراك الناس تنزف وتبكي فأراك تصبر وتصمد

يراك الناس تحرق وتقتل فأراك تضحك وتعود

عجبي عليك يابلدي هل ارتحت؟هل سترتاح؟هل سترتاح يا{{عراق}}؟؟؟

لكن كيف ترتاح والكل يوجه بنادق حقده عليك

حتى من بكى أو تباكى في الماضي عليك!!!!!

أيا بلدي ...أيا {{عراق}}

 

                                                                ~~~~ Amina  Al.bakry

الجمعة، 16 يناير 2009

الواقعية الاجتماعية بين الحداثة الأجنبية والهوية القومية

علي محمد اليوسف 

(1)

ينتظم عنوان هذه الدراسة الطويل مدخلا سريعا يؤكد حضور منهج فكري ادبي نقدي في مقارنة المضامين الاسلوبية والشكلية الفنية الجمالية التي انتجتها الواقعية الاجتماعية ، بمدلولات ومنطلقات تؤكد تاصيل الهوية العربية القومية والمحلية الاجتماعية التي هي نضح الواقع العربي بكافة مكوناته وخصوصيته المميزة

وربما ياخذ بشكل عسفي بعض المعنيين بشؤون الأدب العربي والشعري من نقاد ، وكتاب تاريخ الأدب العربي اننا بهذا الطرح نصنف في خانة المتخلفين عن مسايرة ركب الحضارة .. والمتابعة السريعة المستمرة التي يعيشها العالم اليوم من حولنا في مدارس واتجاهات وأساليب نقدية أدبية وفنية وجمالية معاصرة في مثل الحداثة وما بعد الحداثة والبنيوية والتفكيكية الخ.

ولدرء مثل هذا التصنيف غير القائم على العقلانية والموضوعية والواقعية نلخص التالي:-

1- ان التذكير بمنهج الواقعية الاجتماعية في ظل ظروفنا العربية المتباينة الاتجاهات والتجاذب المشتت لقوانا الذاتية ليس مبعثه رغبة شخصية مؤدلجة الانتماء وان كان هذا على افتراض حسن النية المتحررة من اية وصاية تمثل اولى درجات الصدق مع النفس والآخرين ولن تجد مثقفا واحدا لا تحكمه آراء مسبقة وانفعالات ذاتية يتحيز لها

2- المعايشة الامينة لما نلمسه في واقعنا الثقافي الأدبي والفني من انقطاع وشائج التواصل الترابط النسيجي المتفاعل تأثيرا وتأثرا بالمحيط وبالبنية الاجتماعية والمرتكزات المادية والنفسية التي تحكم الشارع العربي في حين نجد مبدعينا من المثقفين والأدباء يتسابقون لاستيراد آخر صيحات (الحداثة) و (البنيوية) الأجنبية المستوردة ، مع قارئ عربي لا يتعدى محصلة تفكيره الثقافي والفني بدايات الواقعية التي أعقبت انهيار سلطة الاقطاع في اوربا على وجه التحديد ومجيء البرجوازية التي احتضنت في معامل تفريخها الرومانسية الحالمة المتوازية مع الاستلاب المقيت للانسان

3- درجة (تاريخية) و (حضارية) المجتمع العربي ليس على صعيد الاستهلاك للمنتج الحضاري ، ولكن على صعيد التشكيل الابستمولوجي (المعرفي) المفهومي تربويا وتعليميا وثقافيا وليس المقصود استهلاك التقنية السلعية التي يحتاجها الانسان العربي في حياته اليومية .. وانما نحن نتكلم عن بنى فوقية وما ينشأ عنها وما تفرزه من تقنية فكرية ادبية فنية وجمالية ، فقد اضحينا في هذا الجانب مزدوجي الاستهلاك المعارفي الثقافي بالنسخ المهجن الذي يضع قدماً على ارضنا العربية وقدما اخرى على الارض الأجنبية

((2))

تحتفظ المنطلقات التي اشرنا اليها في معالجة وتاشير موضوعة (الحداثة) في تجديد الشعرية العربية المعاصرة من وجهة نظر تحليلية سيسيولوجية (اجتماعية) وتبيان تاثيرها في تقصي الابعاد الثقافية ، الأدبية العصرية لاسلوب (الحداثة) مفاهيميا وابداعيا في تلمسنا نشدان حضور منهج نقدي عربي معاصر الذي ساد ابتداءا في ادبياتنا وثقافاتنا منذ النصف الثاني في خمسينات القرن العشرين وهو منهج ليس يفرضه واقع حال ما ادرجناه سابقا وانما تفرضه ايضا درجة حضارية تقدم المجتمعات العربية بضوء العمل من اجل مشروع عربي نهضوي مع الاخذ جيدا بالاعتبار جدا تخلف البنى التحتية للمجتمعات العربية عموما

ان هذه المنطلقات السيسيو-تاريخية في تحليل ودراسة واقع الحداثة العربية عادت للتاكيد عليها امم وشعوب اخرى سبقتنا جدا في مجال (التجريب) الادبي-الفني-الثقافي فهذا (روبرت جاوس) يؤكد (( ان الأدب يخلو من تاريخ خاص)) بمعنى النمطية في سيرورة التاريخ الادبي على مستوى جميع الامم والشعوب .. كما يقول ايضا الروائي النايجيري الشهير ((وول سونيكا)) في معرض اجابته على استطلاع اجرته مجلة فرنسية شملت آراء اكثر من خمسين كاتبا واديبا وشاعرا من مختلف جنسيات دول العالم.

سألتهم المجلة : لماذا ولمن تكتب!؟

فأجاب : ( إن الأدب ظاهرة اجتماعية للمجتمع وانا لا اعرف مجتمعا حتى في اسوأ حالات ومراحل الانحطاط لم يكن الأدب فيه خادما لطموحاته ليس على الأدب ان يعكس الحياة فقط

بل ان يتدخل وبشكل فاعل لاحداث تحولات فيها ويقدم صورا أرقى ونماذج أسمى للحياة))([1]).

((ان التعامل مع الأدب يعني الوصول الى تفاهم اجتماعي بين الناس لا يساهم فيه المؤلفون فقط بل القراء ايضا وبنصيب فاعل وبالتالي يتم ايصال التجربة الجمالية الاجتماعية وعبر هذا الاتصال تتماسك مسيرة التاريخ الادبي والمسيرة الاجتماعية تماسكا شديدا))([2]).

(( وان  نظرة بسيطة على الشعر الاوربي المعاصر ولا سيما الانجليزي منه في العقدين السادس والسابع من هذا القرن تكشف وجود اتجاه جديد من الشعراء الشباب من امثال براين باتن ، واوريان هنري ، ملتزمان بالعودة بهذا الشعر الى ينابيعه التلقائية الصافية محتجان على الاسراف في الثقافة والتطرف واستعمال الرموز الاسطورية والتاريخية مستمدا مادته ومضمونه من واقع الحياة الاجتماعية وافراح الناس العاديين وهمومهم أي العودة بالقصيدة الانجليزية الى البساطة والواقعية.))([3])

إن النبض التاريخي للعمل الادبي لا يقبل دون الاشتراك الحيوي الفعلي للقارئ فبواسطته يتغير منظور العمل التجريبي والعلاقة بين الأدب والقارئ تشتمل على دلالة جمالية وتاريخية وان ي نص ادبي لا يكتب على الاطلاق من اجل ان يقرأ او يفسر تفسيرا لغويا فقط على حد تعبير (وولتر بوست)).([4])

وبنفس المنحى يقول اوسكار وايلد: (( ليس الفنان حقيقة معزولة ومنعزلة انما هو محصل بيئة معينة ومحيط معين.))([5])

ويقول ايضا د.هـ. لورنس : (( الفنان الحقيقي قائد روحي لمجتمعه وان رسالته هي كشف سر الحياة وخلق امكانية جديدة عبارة عن عنصر غريب في الحياة.))([6])

ومن الافتراضات الاساسية في تطور فكرة الثقافة الفرضية التي تقول ان فن فترة معينة يرتبط ارتباطا وثيقا وضوروريا بطريقة الحياة السائدة على نطاق عام فضلا عن الاحكام الجمالية والاخلاقية والاجتماعية تتشابك بالتالي فيما  بينها تشابكا قويا وتقبل الآن تلك الفرضية على نطاق شامل.([7])

ولم يكن القلق عندنا على مستقبل الأدب وتحديدا مستقبل الشعر باقل مما ذهب الاستاذ د.عناد غزوان في كتابه المشار له في الهامش (مستقبل الشعر) اذ يقول : (( ان هذا التمرد الشعري قد اسهم الى حد ما في التمهيد لخلق ازمة تعبير عانت منها القصيدة الجديدة وهذه المعانة هي جزء من ازمتها الشعرية المعاصرة المتمثلة باستغراقها المطلق بالرمز والتضمين والانكفاء على البعد الثقافي او التجريد وابحارها العميق والبعيد في متاهات التعقيد بل الغموض ولكن هل وقفت القصيدة العربية باتجاهها المتمرد هذا الى خلق لغة شعرية معاصرة تستطيع ان تخاطب وجدان هذا العصر!؟)([8]).

 

 

((3))

ان المرتكزات والمنطلقات النظرية التي اشرنا لها في تاكيد اهمية دراسة تاريخ الأدب العربي المعاصر بمعيار نقدي سيسيولوجي تحدده الموجبات التالية:

أولا: ان دراسة وتطبيق ومنهجة  تاريخية الحداثة الأدبية في القصيدة العربية والفن التشكيلي على سبيل المثال وتبيان تغليب المؤثرات الأجنبية أطلت علينا كما ثبتها لنا بعضا من المهتمين بدراسة تاريخ الشعر العربي وقضاياه كأهداف اسرفنا في اعتمادنا الخاطئ واسرفنا في تقديسها لدرء تهمة الشعور بالنقص الابداعي واخلاصنا المستميت دونما تمحيص وروية في تبيانها والدفاع عنها في الانحياز التام لها ، والباسها قسرا الواقع التحديثي العربي المعاصر انما جاء على حساب اغفال وطمس الكثير من الملامح المحلية وتأصيل مميزات الهوية القومية ولم نعتبر استيرادنا بعض اساليب ومفاهيم وتنظيرات الحداثة الأجنبية (وسائل) توظيف للإفادة منها بالشكل الصحيح وانما اعتبرناها (غايات) و (اهداف) اثبات حسن سلوك لمعاصرتنا الهجينة لها ثقافيا

ان الحداثة الأدبية-الفنية العربية لم يجر تاكيد (وسيليتها) في توظيفها خدمة الواقع العربي الثقافي في تأزم معظم مناحي الحياة فيه لوجدنا ارضا بكرا للاستثمار بجوهر علاقاتها التي تعتمد داخل تكوين المجتمعات العربية التي ولحد الآن اهم وافضل كل الوجوه والسمات التي تستأهل منا صرف  (أزمان) من الاستثمار الحقيقي الجاد الاصيل لها فعلا والحداثة العربية الشعرية خاصة التي تتوخى مستقبلا لها يقربها من العالمية لم تكن ضد نزعة استحواذ تهديم الاطر والاشكال الفنية التي لم تعد تلائم وتنسجم اتساقا وحركة التطور الانساني الحضاري للمجتمع العربي وكفى . في حين كان المطلوب ان لا تقع الحداثة العربية في فخ هوس استيراد تجارب لا تصدر كونها نسخة كاربونية لنتاج حضارة اجنبية معقدة وممعنة في الاغراء والصرعات وبذلك سقط اديبنا ومثقفنا في منطقة الظل من حركة المجتمع وبناء خصوصياته المميزة واصبحت افرازات الحداثة العربية الهجينة لدى الاديب او المثقف العربي استنفادا رهيبا في حرف طاقته الإبداعية في غير وجهتها الصحيحة  وهدرها في (تجريب) سائب لا يصدر عن ملكة ابداعية اصيلة واعية لها جذورها في ديمومتها ورقيها بما يكفل الاقتحام في المساهمة المسؤولة في ارساء حضور عربي تاريخي للمجتمعات العربية يقوم على مرتكزات انسانية تنشد نهاية المطاف خلق نموذج عصري للانسان العربي

ثانيا:ان تاريخ توظيف الحداثة العربية ثقافيا وادبيا وفنيا اقترن توقيته تاريخيا خارج نطاق السيطرة عليه مع تزامن وجود ازمة الواقع العربي المعاصر بتداخلاته وتناقضاته السياسية والفكرية المتصارعة المحتدمة احيانا هذا من جهة ومن جهة اخرى بقيت الحداثة العربية ولاتزال الى الان (بؤرة) مركزية في اشكالية علاقة المعاصرة بالتراث المعلقة وعلى صعيد اكثر من منحى ايديولوجي وفكري وثقافي بازمة الشد والجذب ومايستتبع ذلك من اجتهادات متباينة مختلفة احيانا تتجذر تاثيراتها في العمق الشمولي للحياة الاجتماعية حتى تصل (الخلافات) الى بعض المفردات الحياتية وتفاصيل التعامل اليومي والعلاقات بين الناس .

اذن الحداثة العربية كظاهرة وليست نمطا اسلوبيا من اساليب الحياة الواقعية ،كانت بعض عوامل انبثاقها ذاتية نابعة من خصوصية تاصيل الحس القومي العروبي والحفاظ على هذا التاصيل ، والعوامل الموضوعية المحكومة بخاصية الزمن التغييرية وتاثير ذلك على الانسان والبيئة والنفسية والمجتمع كلية ومن ابرز مقومات العوامل الموضوعية تمثلت في استيراد الحداثة وبهذا كانت ازمتها التاريخية ،وكانت هذه الحداثة العربية في مجتمعاتنا العربية وبالذات الوضع الثقافي لم تكن ممثلة باشكالية محصورة النطاق على الجانب الثقافي وان كانت ابرزها ،  بل ان ازمتها التاريخية الحقيقية كانت في عزلتها عن حراك الواقع العربي ايديولوجيا واقتصاديا واجتماعيا بكل تفاعلات وتداخل هذه المناحي وكانت ايضا جزءا من (كل) واقع عربي مازوم وبقيت الحداثة عربيا معلقة في فضاءات وتفاصيل البنى الفوقية النخبوية للمجتمع لم تحقق قيمتها بمعنى ان حفرت لها امتدادا عموديا متجذرا في ارضية الواقع العربي ولا حققت ايضا امتدادا افقيا سطحيا شاملا على صعيد البنى الفوقية التي رعتها ونمت واكتملت في احضانها وبقيت الحداثة العربية كنتيجة طبيعية لما مرّ ذكره (منعزلة) واقل ما يقال في حقها اغترابها عن محيطها.

ثالثا : ان تاريخ الحداثة العربية الفكرية الثقافية وفي غياب المنهج النقدي التقويمي المسير برسالته الوطنية والقومية والتاريخية تمت دراسته وتعميمه تربويا وحتى في الجامعات على ايدي اساتذة ونقاد وموثقي تاريخ الأدب العربي وحتى من فيهم بعض المستشرقين بمنهجية غير قومية اذ عمد معظمهم الى تقويم معطيات الحداثة العربية على وفق نظريات مقتبسة متاثرة بتجارب واتجاهات ومدارس ادبية وفنية ثقافية ، واوربية !!!وبهذا القدر او ذاك تحت وطاة الشعور بالتخلف والبطء عن مواكبة العصر تجاه تلك المدارس الغربية واتجاهاتها الليبرالية الحديثة في الأدب والفن ..مما احدث انقطاعا حادا في عدم تواصل الانماط والاساليب الشعرية الحديثة مع الذائقة والتفكير الثقافي المعلب باشتراطات موروثة تراكمية ليس من السهل التحرر والخلاص منها كي تلقى الاجتهادات والتجريب الفني الادبي تجاوبا تاثيريا حقيقيا بما يصقل شخصيته القومية ويبرز هويته الانسانية المميزة ..كما طبق هؤلاء المثقفون العرب من المهتمين بدراسة التاريخ الأدب العربي ومعطياته الفكرية الجمالية نتيجة اطلاعهم وبعضهم في لغة تلك الاداب الاصيلة انجليزية ، فرنسية على تيارات ومدارس الاداب الغربية ودراساتهم وتحصيلهم التخصصي الاكاديمي وخبراتهم الشخصية وتاثرهم بمناهج النقد الأجنبية ولا يعني هذا ابدا اننا لم نستفد من تلك التجارب الانسانية العالية المستوى الثرة الغنية فمثل ذلك ادعاء ساذج ومكابرة فارغة فالانفتاح الثقافي والادبي والفني حقيقة واقعة حتمية قبل ان يكون ضرورة معرفية للامم والشعوب كافة 

رابعا:المسالة الاخرى ان الحداثة العربية الشعرية والتنظير النقدي في الرواية والقصة القصيرة والمسرح والفنون التشكيلية تمت دراستها وتم توثيقها وكتابتها كجزء  من (تاريخ الأدب العربي) المعاصر في غياب او بالاحرى في الاهمال المقصود في المجاوزة على عدم ربط جميع تلك الخصائص الحداثوية في الإبداع بوشائج  الارتباط العضوي بالمنطلقات الفكرية التقدمية  والايديولوجيا التي عالجت موضوعة الحداثة العربية من زاوية كونها مرتكزا تعتمده في تحقيق السعي نحو المشروع النهضوي للامة واستعادة الدور الانساني  والحضاري لها .

ويشفع لاساتذتنا المبدعين والاكاديميين  القطيعة والتقاطع مع التوجهات الايديولوجيا ، ممن يعنيهم الامر دون سواهم الظروف السياسية ، الاجتماعية ، الاقتصادية الصعبة والتي لا يزال بعضها يفعل فعله السلبي في جسد الامة لحد الان ، تلك الظروف التي وطأت بثقلها وكابوسها المقيت فابتعد الأدب الجديد-المعاصر كبنية فوقية مفروزة عن واقع مجتمعي مادي مترد عن الاهتمام بتاسيس مفهوم ومنهج يجعل من الحداثة الثقافية الفكرية وعيا اجتماعيا مشروطا بضرورات تاريخية حضارية  شاملة من اسبابها-اسباب القطيعة تحسب ومخافة ان يفهم عنهم انما يمثلون بارائهم ادب وثقافة المؤسسات الاعلامية الحكومية وان كان بعضهم رضي وقبل الدور وقام به بما يرضي الاعلام الرسمي ويحقق له امتيازاته الثقافية لا بما يرضي تلبية حاجة المجتمع التنويرية .وبقيت الحداثة العربية المتحققة في بنى المجتمعات الفوقية، حداثة نخبوية مقطوعة الصلة والجذور باي انتماء حقيقي جاد يهتم بمعاناة وهموم تطلعات عموم الجماهير

وكان لموقف بعض المفكرين والادباء سببهم المقنع لحد ما انهم انكروا على الواقع العربي المازوم وعلى الايديولوجيات السائدة في تجاربها الفاشلة امكانية امتلاكها استحضار حداثة شمولية لمختلف جوانب الحياة ، او ايجادها مؤسسات معرفية ثقافية علمية يتخلق عنها ، وينبثق منها بدايات مشروع نهضوي ينقل بعض المجتمعات العربية ان لم يكن جميعها نقلة نوعية متقدمة

ومن هنا جاءت مشروعية لا بل ضرورة التعويض عن الالتجاء والتوجه اكثر من السابق نحو الثقافات الأجنبية وادابها وتياراتها واتجاهاتها التجريبية الجمالية المتسارعة وعدم اضاعة الوقت من الاستزادة والاخذ منها والافادة من معطياتها الجديدة المعاصرة

فاصبحت والحالة هذه توجه أي منطلقات ثقافية فكرية رصينة تحاول ان تجعل من الحداثة العربية عامل (خصخصة) للعام والسائد من الثقافة المسطحة التي تتداولها الاجيال بحجة الخوف من ضياع الهوية وتشويه ملامح ومعالم الاصالة ، اصبحت مثل تلك التوجهات عاجزة تماما حتى عن تعديل الكثير من الاراء الخارجة عن خط سيرها الطبيعي ، والاجتهادات الغير صائبة ، الخاطئة ، الغير موفقة في تقابل قطبيها ، المحافظ والليبرالي ، حتى غدت الكثير من وجهات النظر النقدية المعيقة لحراك مجتمعاتنا العربية نحو الامام ووضع خطواتنا على عتبة مفاهيم حداثية تجديدية عصرية في حكم القناعات المسلم بها الثابتة المحرم ان يطالها النقد والنقض والتقويم من قريب او بعيد ضربا من العبث والمستحيل

وبذلك فشلت بالتالي الكثير من محاولات الجدية من امكانية اسقاط العديد من النظريات واثرها على الإبداع العربي المعاصر بل وحتى في تدريسه ونشره..

ما يقلل من قتامة هذه الصورة ظهور كتابات وابداعات في شتى ضروب المعرفة اسهمت ولا زالت اسهاما عظيما في التزام قضايا الانسان العربي والسعي المثابر الجاد من تحقيق بعضاً من طموحاته واثراء ثقافته المسطحة بالتراكم الكمي وليس الكيفي واغنائها بالمستقبلي الجديد مثل اولئك الصفوة المميزة لا ينكر فضلهم ولسنا في موضع الوصاية على تقويم وتصويب ما ابدعوه فهي ليست غايتنا هنا

هذه الصفوة المفكرة فهموا الحداثة العربية بعيداً عن قناعات مسبقة غير صائبة ونظريات جاهزة معلبة تغري بالاستهلاك المضلِل السريع وارادوا بصدق ان ينشروا مفهومهم النابه الذكي لتوظيف الحداثة العربية بأصالة تعتمد خصوصية الوضع العربي وميراثه ، وندية الاصول المعرفية الحضارية للابداع العربي في التوازي والتلاقح وليس شرط الاصطدام والرفض- مع تيارات الإبداع الأجنبية والافادة منه بفهم منهجي علمي رصين وتوجه مدروس



([1]) مجلة الاقلام العراقية عدد 1-4/1996 الكتابة لماذا !؟ عيسى مهدي الصقر ص64.

([2]) مجلة الثقافة الأجنبية ع ايلول 1983- تاريخية الأدب ترجمة اقبال ايوب 65.

([3]) مستقبل الشعر د.عناد غزوان وزارة الثقافة والاعلام العراقية ص47.

([4]) مجلة الثقافة الأجنبية ايلول 1983 تاريخ الأدب باعتباره تحديا ترجمة د.محمد هناء متولي.

([5]) الثقافة والمجتمع وزارة الثقافة والاعلام العراقية تاليف رايموند وليامز ترجمة نخبة من الباحثين.

([6]) ما بعد  اللامنتمي- كولن ولسن ص35.

([7]) الثقافة والمجتمع مصدر سابق ص151.

([8]) مستقبل الشعر مصدر سابق د.عناد غزوان ص57.

الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008

إعلامنا العربي و إعلام الآخرين

ع– العراق

آب 2008

  

مما لاجدال فيه ان الإعلام بجميع وسائله المقروءة ، المسموعة ، المرئية اصبح من  اقوى الوسائل المعرفية والعلمية التي  تعم العالم في الألفية الثالثة , وأولويات ميزات الإعلام انه سلاح ذو حدين سلبي و ايجابي سلبيته في تسويق الأسود ابيض وايجابياته في إيصال المعلومة والخبر والتحليل كالحقائق أو أشبه بالحقائق العلمية الثابتة التي لايمكن دحضها بسهولة في ساعات أو أيام وأحيانا في أعوام طويلة.

وبامتلاك الإعلام اليوم أرقى أشكال التكنولوجيا والتقانة العلمية التخصصية  في سرعة الاتصال وتبادل المعلومات والمعارف اصبح أيضا أرقى((لغة)) تواصل ومخاطبة وتلقي وامتلك ميزات تخصصية  لا تجارية فيها الكثير من العلوم المعاصرة. فالإعلام اليوم من صفاته : السرعة الفائقة ، الإثارة ،المتعة ، الترفيه ، التعبئة ، العاطفة ، الإعلان ، الدعاية ، البرمجة ، الكذب ، التشويه ، التضليل ، الخبث ...الخ.

الأنظمة الفردية السياسية الشمولية العربية تعمد في إعلامها الكذب وتشويه الحقائق وقلب وقائع الأرض لابما ينصف الناس ، بل بما يخدم رغبة حفنة من الناس المنتفعين من ويلات الناس ومآسيهم وكوارثهم ، واعلام أنظمة الاستبداد وأصحاب الكروش العربية تعتمد في دس سموم وخبائثها الإعلامية على دعائم تمكين عديدة يتصدرها التمويل وأسلوب الترغيب وإعطاء الهبات والسخايا لمن يبيع ضميره وشرفه الوطني والأخلاقي. كما يعتمد التضليل الإعلامي العربي على المتراكم التخلفي المعرفي على مستوى الفرد والمجتمع بكل تنوعاته وأشكاله المعيقة المعرقلة لأي نوع من التقدم في الحياة ، مستغلين حقيقة اجتماعية عربية متجذرة. ان الانسان العربي يحصر تفكيره ببعض حواسه ، فهو يفكر بإذنه وعينيه ، أكثر من تفكيره ببصيرته وعقله. ونسبة 90% من الإعلام يعتمد مخاطبة الحواس قبل العقل في التظليل.

وحين نأخذ مفردة سياسية قيمية عراقية واحدة هي ((الديمقراطية)) وما تعنيه من مبادئ الحرية وقيم الإنسان المتحضر ، وأهمية الانتخابات وتداول السلطة سلميا وليس بالانقلابات ... الخ من الحقوق والواجبات ندرك أية صعوبة وسيلية تنفيذية رقابية وطنية يتوجب ان يقوم بها الإعلام العراقي في السعي لتكون الديمقراطية منهم حياة وهدف مستقبل ، وسيلة وغاية ، سيرورة وتطور ، ممارسة وتفكير ... وكل هذه الصفات وغيرها الكثير جدا ليس من السهولة بل من الصعوبة جداً إفشائها وسط مجتمع لديه ميراث كبير من الخوف ، الفقر ، التخلف والجهل، وهذه المسألة تحتاج إلى صبر ومثابرة لكي يفهم الإنسان الذي عاش أكثر من خمسين عاما غائبا مغيّبا عن معنى إنسانيته وحقوقه في الحياة الكريمة وواجباته تجاه بلده ان يجد نفسه يعيش الحياة بقيم إنسانية حضارية تليق به كانسان.

في حال اقحامنا نوعا من مقارنة أو مقايسة بين الإعلام العربي بمعظمه بالإعلام الغربي عامة ربما يبرز إلى الذهن وبسرعة ان الإعلام الغربي – ليس المقصود هنا المقارنة في التقنية الإعلامية – غير قائم على مرتكزات التخلف- التضليلي والمداهنة السياسية والنفاق الاجتماعي فهو في معظم اشتمالاته يتمتع بالحرية الكاملة والجرأة وغير مسيّس تقريبا ، نزيه ، ليبرالي تحميه الدولة قبل القانون .. فما العيب فيه أو العيوب!؟ لا يمكن لمقالة في هذا المجال تقديم قناعة وافية ان تقوم بالإجابة على التساؤل لكن يمكن المرور السريع بما يسمح به المجال:

1- الإعلام الغربي يرتكز على التقانة التكنولوجية المتطورة في مجالات الاتصال والمعلومات والتلفزيون والسينما والصحف والمجلات ، وهذا التفوق التقني لا يحتاج إلى تسويق الكذب الذي يفتضح بدقائق بل ويتم التلاعب بحقائق  الامور بوسائل متجددة لا تحتاج تغيير جوهرها الذي تريد من خلاله تسويق ما تشاء ، بل تعتمد تغيير ((الأشكال)) وأزياء التضليل لكن ليس طول الوقت فالتقانة الإعلامية لا تكرر نفسها على الدوام بنفس الاشكال كي لا يملها الناس وتفقد فاعليتها ، والإعلام اليوم اصبح تقنية متجددة باستمرار.

2- الإعلام الغربي وان كان لا يعتمد المبدئية السياسية على الدوام ويكيل كما هي بعض حكوماته بمكيالين أو أكثر وهناك مقولة لهنري كيسنجر تقول ، اكتب واستخدم جميع وسائل الإعلام بما تعتقده ولكن تذكر من غير المسموح به لك العمل على تنفيذ ما تعتقده . وعلى هذا يكون الإعلام الغربي ليس من حق الإنسان ان يعيش ((المبدئية)) منهج حياة ، بل أكثر من حقه ان يعيش الحياة بما يشاء من وسائل الإثارة والدهشة والمتعة وكفى.

3- الإعلام الغربي تستهويه الإثارة الفنتازية ويلاحق بلا كلل ولا ملل نشر الفضائح وما وراء الكواليس والمخفيات والمستور من الدواهي أكثر من اهتمامه معالجة وتقديم الحقائق الإنسانية للشعوب ، فانتشار المجاعة والفقر والايدز والأمراض والأوبئة يعالجها الإعلام الغربي من باب الوقاية منها لأنفسهم هم من انتقالها واستشرائها في بلدانهم ، ووسائل وطاقات مكافحتها في بؤرها من غير  البلدان المتمدنة دول الشمال تبقى محدودة جدا وتقوم بها منظمات إنسانية دولية في الغالب.

4- من المسلمات الاجتماعية ان الوعي الثقافي – الحضاري لمجتمع ما يكون عامل مهم في إنتاج الإعلام وفي استهلاكه أيضا ، فالإعلام المتداول في المجتمعات والدول النامية الفقيرة يكون مستهلكا إعلاميا أكثر من كونه منتجا ومصدرا له حاله حال جميع البضائع الاستهلاكية المستوردة التي يستخدمها الفرد في حياته.. اما الإعلام الغربي فهو ((مصدِّر)) بتشديد وكسر الدال وفي القليل منه يكون مستوردا – عامل تفاوت التقانة والتكنولوجيا الإعلامية مهم ولكن ليس كل العوامل- في حين يكون الوطن العربي ومثله أمما وشعوبا كثيرة مستوردة-مستهلكة للإعلام الوافد الغربي وسوقا رائجة للربح والاتجار به .  وهذه ميزة لا يمتلكها إعلامنا العربي إذ لو تيسرت أمامنا جميع وسائل التقانة الإعلامية في ان نكون مصدّرين للإعلام فلن يكتب لنا النجاح الدائم إذ سرعان ما يزحف الكذب والدجل والمتاجرة الرخيصة لتصم إعلامنا الموجه لغيرنا ولا ينفع أسفنا على ما قمنا به من اكاذيب فاضحة.

5- الإعلام الغربي الذي يتوخى تعليب تفكير المجتمعات الشرقية بما يطمح ويريد ، لا يستخدم بذلك الوسائل الفجة العتيقة أو المباشرة ، وحين يصدّر معلومة مفبركة على انها حقيقة مسلم بها ، يصدرها كنواة صغيرة ونبتة قابلة للإضافة عليها بما يمكن ان نجعل منها غابة من الأكاذيب والإضافات ، والمعلومة وردتنا بحجم كرة الثلج المتدحرجة يكبر حجمها ويزداد طرديا بمقدار سرعة وطول المسافة التي تقطعها .. عندها حين يراد البحث عن جذور المشكلة بتطلب معالجة أطنان من النتائج المنسوجة حولها وبمرور الوقت وصرف الطاقات والاموال تتحول الأسباب إلى نتائج ليس بالضرورة حلها ومعالجتها فهي أصبحت ليس قلب المشكلة بل هوامشها وحواشيها ولا نفع جدي في معالجتها.

6- الإعلام في الوطن العربي –بتفاوت نسبي- بفاخر بنفسه ومريديه انه وسيلة خدمة وتسويق وتلميع صورة النظام الحاكم ، حكم المدنية الفاضلة التي بشّر بها ((الفارابي)) يديرها أنصاف ملائكة بالضمير المرهف ، والتصرف النزيه النظيف ، واحقاق الحق وإنصاف المظلوم ، وكل قطر عربي يمتلك قناة فضائية وعدة قنوات تلفزيونية صحف ومجلات تقوم على خدمته ليل نهار يقدم نفسه من خلال شراء بعض شخصيات ووجوه المزايدات والنفاق الذين يمثلون ميراث حقائقنا السياسية والثقافية والاقتصادية الحديثة التي حصدنا الكوارث من جرائها – حتى بعض الشخصيات الدينية لم تسلم وتحفظ نفسها من  هذا التوظيف الرخيص في ترويج الأكاذيب في خدمة الحاكم الجائر.

 

مع كل هذا لا يصح الا الصحيح في الحياة فوجود بؤر إعلامية برزت حديثا غير مملوكة للحكومات ولا لمؤسسات تقوم بواجبها بالنقد الجاد وتشخص الانحرافات واعطاء البدائل والدأب المتواصل نحو حقائق الامور وكشفها للناس وان كان لايفي بالغرض المطلوب كاملاً، لكنهم وهذه حقيقة جنود مجهولون وسط قبائل من الإعلام العربي الكاذب المضلل ومثلهم كمثل ((صالح)) في ثمود.

 



 

بريد : موصل – مكتب بريد الجامعة – ص.ب./11096.

علي محمد اليوسف
موصل – العراق
آب2008


 


 

جغرافيا المكان الغاء زمانية التاريخ


مداولاتنا مفردات جغرافيا المكان في ذاكراتنا الجمعية او ذاكرتنا الثقافية تحديدا منها : الصحراء ، الخيمة، السيف، المهيمنان القَبْلي (الماضوي) ممثلا في متراكم الموروث غير المغربل وفق معايير انتقائية تشمل نواحي البنى الاجتماعية والعادات الموروثة والمهيمن القبائلي ويتمثل بالموروث القوموي – الاسلاماوي المسيسين  بمحتوياته المعتدلة والراديكالية المتطرفة وهي لاتخرج عن امتدادات البداوة والنعرة العصبوية في محتواياتها ومضامينها نزعة التدمير، لغة الدم ونسف الاخر، تمجيد الزيف وعبودية التخلف، رعونة التفكير في سماجة عاطفية، سرعة اتخاذ القرارات الكارثية، الاصرار على المخطوء في المتداول الشفاهي اليومي والسلوكي النفسي الذي يطعن مستقبلنا علانية بالظهر دونما مواربة او تخفٍ ودونما رادع ملجم فهي ربما امتلكت سريان مجرى / تاثير القانون الطبيعي- القيمي وتشغل حيزا واسعا من مساحة ذاكرتنا الثقافية- المجتمعية التي اصبح تاثيرها في حياتنا (مَتْحَفياً)  في قاموس التعامل الحضاري مع الاخر ومعطيات العصر. والا اصبحت المكابرة الفارغة في استحضارها والباسنا الحاضر لها لا ولن تعطي لهويتنا الاصالة والميزة كما تدعي ولا تمنح الذاكرة الجمعية فاعلية التاثير المستقبلي كما تزعم ، فهي تراكم معرفي مخطوء متوارث يجثم فوق صدورنا.

مفردات جغرافيا المكان هي مفردات تشكيل الذاكرة الثقافية لدينا مسارب وامتدادات هيمنة ماضوية غير فاعلة في الحياة وتسطيح امتدادي لا متناهٍ يقاطع ويقطع تاثيرات الاجتهاد المقموع بالحجر القسري اجتماعياً – سياسياً وفي منع ان تأخذ زمانية التاريخ بعدها الحضاري العصري.

الذاكرة الجمعية الثقافية الاجتماعية تدور في بؤرة مركزية ترسيخ المهيمن الماضوي باشكالاته المتخلفة وتعقيداته المعيقة لحراكنا وانطلاقتنا وهي مثابات ارتكاز اشكال لا حصر لها من عبودية هيمنة التخلف الذي يستوطن حربائية المكان ويتخذ اشكال الكثبان الرملية التي تنقلها الرياح من مكان لاخر مبقية على نفس المكونات الفارغة لها ووجودها السرابي الخادع انها مفردات مزج الاسلاماوي مع بداوة السلوك بما يتسم به من سطحية في التعامل مع مظاهر الحياة المعاصرة.

مرتكزات التخلف مواضعات تسحب نفسها باستمرار نحو (المقدس) الماضوي الوهمي الراسخ في ذاكرتنا الجمعية ثقافياً اجتماعياً وتقاطع باصرار عنيد رجعي ضرورات تفعيل زمانية التاريخ التي هي وثبات ملحاحة وطفرات نوعية وجوب اعتمادها في ترسيم معتقداتنا العصرية وسمات عصرنا المحكوم بالتبدل والتغيير المستمرين هي مسالة ان نكون داخل او خارج عالم اليوم .

من ابجديات وجوب تفعيل زمانية التاريخ في حياتنا هو في الغائنا قدسية التخلف من جغرافيا المكان (المجتمعات العربية) وجغرافيا المكان كما المحنا سابقا هو ليس المكان المحدد بالمسح الهندسي على الارض فقط وانما بمكوناته المشكلة كذاكرة معرفية جمعية وبنية ثقافية لنا، لها حضور دائم  في ابقائنا بمغطس الجهل والفقر والثبات والجمود ونزعة الدم في الاحتكام لمشروعية ما هو لنا وما هو علينا، ما يمثل دوراً لنا وما يمثل استحقاقاً علينا.

*    *   *

الدلالة الرمزية على سبيل المثال لـ (السيف) اصبحت اليوم اشكالية مفاهيمية عقائدية دينية حضارية غير متفق عليها، وصل التباين والاختلاف الى حد ان البابا (بنديكتوس السادس عشر) ادان الدلالة التاريخية لرمزية السيف لما تحمله من تاويل مزدوج يعطل الفهم الحضاري الديني الاخلاقي (القيمي) الموحد في بناء حوار الحضارات وترسيم مستقبل التعايش السلمي في العالم.

الدلالة التاريخية الرمزية للسيف كانت تمثل معطى حضارياً للامتين العربية والاسلامية في حين اصبح اليوم (رمزاً) للعنف والتطرف والارهاب المستتر بالدين فهو اليوم اداة تنفيذ بربري في فن ذبح المسلمين بعضهم بعضا وتكفير بعضهم لبعض كما في العراق ، الجزائر، السعودية ، مصر ، اليمن، الاردن، الصومال ، افغانستان...الخ.

بما يجعل من السيف اليوم رمزاً لقتل الناس الأبرياء نساءاً ورجالاً وأطفالاً وسفك الدماء بوحشية لا مثيل لها في أي بقعة من العالم لايعيش فيها مسلمون متطرفون.

كي نكون منصفين لغيرنا قبل انفسنا من حقنا ان نقول حين استعمل المسلمون السيف في الماضي لنشر الاسلام لم تكن دول اوربا وشعوبها وأمم العالم قاطبة تستخدم (السيف) عصا في رعي الأغنام!! وانما هم ايضا استعملوه في شن الحروب والذبح وسفك الدماء هذه حقيقة تاريخية تنسحب على قرون طويلة من عمر البشرية بمختلف أديانها وليس استثناءاً منها أحد.

أما ان الفارق اليوم اننا لا نزال نمسك السيف في جز رقاب الناس الأبرياء وغيرنا القى به في مزبلة التاريخ كرمز لا انساني وهو ما يستحق ادانة كل انسان يعتز بادميته ويخجل من وحشية سفك الدماء.

الدلالة الرمزية ايضاً للجمل والصحراء بدلاً من ان يكون معطى بيئي يدل على الصبر وتحمل العطش ومشاق السفر انتفت الحاجة له عصرياً ان يكون احد مكونات الذاكرة الجمعية الثقافية الموروثة لنا اصبح اليوم التشدق به واستخدامه في الفعالية الادبية والفنية في تحديد اصالة الهوية مسألة تدعو للاستهجان والضحك في زمن ينتقل فيه سكان العالم وشعوبه من بلد لآخر على متن أحدث الطائرات التي تفوق في سرعتها سرعة الصوت.

أما عن (النفط) كرمز عربي اسلامي معاصر معقد جداً فهو لا يخلو ايضا اليوم من ازدواجية فاضحة في الاستثمار والاستخدام فهو في دول الغرب وجميع دول العالم المتمدن أسّْ حضاري في رفاهية الشعوب وضرورة حياتية يقابله الدور الانحطاطي لدى معظم الدول العربية والاسلامية المنتجة له يتحدد في غنى فاحش لشريحة اجتماعية شعبية او مجموعة حاكمة في اتخام كروشها واشباع ملذاتها التي لا حصر لها ورمي فتات موائدها لشعوبها او في استخدامه وسيلة تعمية لما يسمى استحداث تنمية شاملة مستداة تتوخى ارساء مقومات بناء دولة عصرية.

                           علي محمد اليوسف

موصل  

                                                                                    18/9/2006