الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008

إعلامنا العربي و إعلام الآخرين

ع– العراق

آب 2008

  

مما لاجدال فيه ان الإعلام بجميع وسائله المقروءة ، المسموعة ، المرئية اصبح من  اقوى الوسائل المعرفية والعلمية التي  تعم العالم في الألفية الثالثة , وأولويات ميزات الإعلام انه سلاح ذو حدين سلبي و ايجابي سلبيته في تسويق الأسود ابيض وايجابياته في إيصال المعلومة والخبر والتحليل كالحقائق أو أشبه بالحقائق العلمية الثابتة التي لايمكن دحضها بسهولة في ساعات أو أيام وأحيانا في أعوام طويلة.

وبامتلاك الإعلام اليوم أرقى أشكال التكنولوجيا والتقانة العلمية التخصصية  في سرعة الاتصال وتبادل المعلومات والمعارف اصبح أيضا أرقى((لغة)) تواصل ومخاطبة وتلقي وامتلك ميزات تخصصية  لا تجارية فيها الكثير من العلوم المعاصرة. فالإعلام اليوم من صفاته : السرعة الفائقة ، الإثارة ،المتعة ، الترفيه ، التعبئة ، العاطفة ، الإعلان ، الدعاية ، البرمجة ، الكذب ، التشويه ، التضليل ، الخبث ...الخ.

الأنظمة الفردية السياسية الشمولية العربية تعمد في إعلامها الكذب وتشويه الحقائق وقلب وقائع الأرض لابما ينصف الناس ، بل بما يخدم رغبة حفنة من الناس المنتفعين من ويلات الناس ومآسيهم وكوارثهم ، واعلام أنظمة الاستبداد وأصحاب الكروش العربية تعتمد في دس سموم وخبائثها الإعلامية على دعائم تمكين عديدة يتصدرها التمويل وأسلوب الترغيب وإعطاء الهبات والسخايا لمن يبيع ضميره وشرفه الوطني والأخلاقي. كما يعتمد التضليل الإعلامي العربي على المتراكم التخلفي المعرفي على مستوى الفرد والمجتمع بكل تنوعاته وأشكاله المعيقة المعرقلة لأي نوع من التقدم في الحياة ، مستغلين حقيقة اجتماعية عربية متجذرة. ان الانسان العربي يحصر تفكيره ببعض حواسه ، فهو يفكر بإذنه وعينيه ، أكثر من تفكيره ببصيرته وعقله. ونسبة 90% من الإعلام يعتمد مخاطبة الحواس قبل العقل في التظليل.

وحين نأخذ مفردة سياسية قيمية عراقية واحدة هي ((الديمقراطية)) وما تعنيه من مبادئ الحرية وقيم الإنسان المتحضر ، وأهمية الانتخابات وتداول السلطة سلميا وليس بالانقلابات ... الخ من الحقوق والواجبات ندرك أية صعوبة وسيلية تنفيذية رقابية وطنية يتوجب ان يقوم بها الإعلام العراقي في السعي لتكون الديمقراطية منهم حياة وهدف مستقبل ، وسيلة وغاية ، سيرورة وتطور ، ممارسة وتفكير ... وكل هذه الصفات وغيرها الكثير جدا ليس من السهولة بل من الصعوبة جداً إفشائها وسط مجتمع لديه ميراث كبير من الخوف ، الفقر ، التخلف والجهل، وهذه المسألة تحتاج إلى صبر ومثابرة لكي يفهم الإنسان الذي عاش أكثر من خمسين عاما غائبا مغيّبا عن معنى إنسانيته وحقوقه في الحياة الكريمة وواجباته تجاه بلده ان يجد نفسه يعيش الحياة بقيم إنسانية حضارية تليق به كانسان.

في حال اقحامنا نوعا من مقارنة أو مقايسة بين الإعلام العربي بمعظمه بالإعلام الغربي عامة ربما يبرز إلى الذهن وبسرعة ان الإعلام الغربي – ليس المقصود هنا المقارنة في التقنية الإعلامية – غير قائم على مرتكزات التخلف- التضليلي والمداهنة السياسية والنفاق الاجتماعي فهو في معظم اشتمالاته يتمتع بالحرية الكاملة والجرأة وغير مسيّس تقريبا ، نزيه ، ليبرالي تحميه الدولة قبل القانون .. فما العيب فيه أو العيوب!؟ لا يمكن لمقالة في هذا المجال تقديم قناعة وافية ان تقوم بالإجابة على التساؤل لكن يمكن المرور السريع بما يسمح به المجال:

1- الإعلام الغربي يرتكز على التقانة التكنولوجية المتطورة في مجالات الاتصال والمعلومات والتلفزيون والسينما والصحف والمجلات ، وهذا التفوق التقني لا يحتاج إلى تسويق الكذب الذي يفتضح بدقائق بل ويتم التلاعب بحقائق  الامور بوسائل متجددة لا تحتاج تغيير جوهرها الذي تريد من خلاله تسويق ما تشاء ، بل تعتمد تغيير ((الأشكال)) وأزياء التضليل لكن ليس طول الوقت فالتقانة الإعلامية لا تكرر نفسها على الدوام بنفس الاشكال كي لا يملها الناس وتفقد فاعليتها ، والإعلام اليوم اصبح تقنية متجددة باستمرار.

2- الإعلام الغربي وان كان لا يعتمد المبدئية السياسية على الدوام ويكيل كما هي بعض حكوماته بمكيالين أو أكثر وهناك مقولة لهنري كيسنجر تقول ، اكتب واستخدم جميع وسائل الإعلام بما تعتقده ولكن تذكر من غير المسموح به لك العمل على تنفيذ ما تعتقده . وعلى هذا يكون الإعلام الغربي ليس من حق الإنسان ان يعيش ((المبدئية)) منهج حياة ، بل أكثر من حقه ان يعيش الحياة بما يشاء من وسائل الإثارة والدهشة والمتعة وكفى.

3- الإعلام الغربي تستهويه الإثارة الفنتازية ويلاحق بلا كلل ولا ملل نشر الفضائح وما وراء الكواليس والمخفيات والمستور من الدواهي أكثر من اهتمامه معالجة وتقديم الحقائق الإنسانية للشعوب ، فانتشار المجاعة والفقر والايدز والأمراض والأوبئة يعالجها الإعلام الغربي من باب الوقاية منها لأنفسهم هم من انتقالها واستشرائها في بلدانهم ، ووسائل وطاقات مكافحتها في بؤرها من غير  البلدان المتمدنة دول الشمال تبقى محدودة جدا وتقوم بها منظمات إنسانية دولية في الغالب.

4- من المسلمات الاجتماعية ان الوعي الثقافي – الحضاري لمجتمع ما يكون عامل مهم في إنتاج الإعلام وفي استهلاكه أيضا ، فالإعلام المتداول في المجتمعات والدول النامية الفقيرة يكون مستهلكا إعلاميا أكثر من كونه منتجا ومصدرا له حاله حال جميع البضائع الاستهلاكية المستوردة التي يستخدمها الفرد في حياته.. اما الإعلام الغربي فهو ((مصدِّر)) بتشديد وكسر الدال وفي القليل منه يكون مستوردا – عامل تفاوت التقانة والتكنولوجيا الإعلامية مهم ولكن ليس كل العوامل- في حين يكون الوطن العربي ومثله أمما وشعوبا كثيرة مستوردة-مستهلكة للإعلام الوافد الغربي وسوقا رائجة للربح والاتجار به .  وهذه ميزة لا يمتلكها إعلامنا العربي إذ لو تيسرت أمامنا جميع وسائل التقانة الإعلامية في ان نكون مصدّرين للإعلام فلن يكتب لنا النجاح الدائم إذ سرعان ما يزحف الكذب والدجل والمتاجرة الرخيصة لتصم إعلامنا الموجه لغيرنا ولا ينفع أسفنا على ما قمنا به من اكاذيب فاضحة.

5- الإعلام الغربي الذي يتوخى تعليب تفكير المجتمعات الشرقية بما يطمح ويريد ، لا يستخدم بذلك الوسائل الفجة العتيقة أو المباشرة ، وحين يصدّر معلومة مفبركة على انها حقيقة مسلم بها ، يصدرها كنواة صغيرة ونبتة قابلة للإضافة عليها بما يمكن ان نجعل منها غابة من الأكاذيب والإضافات ، والمعلومة وردتنا بحجم كرة الثلج المتدحرجة يكبر حجمها ويزداد طرديا بمقدار سرعة وطول المسافة التي تقطعها .. عندها حين يراد البحث عن جذور المشكلة بتطلب معالجة أطنان من النتائج المنسوجة حولها وبمرور الوقت وصرف الطاقات والاموال تتحول الأسباب إلى نتائج ليس بالضرورة حلها ومعالجتها فهي أصبحت ليس قلب المشكلة بل هوامشها وحواشيها ولا نفع جدي في معالجتها.

6- الإعلام في الوطن العربي –بتفاوت نسبي- بفاخر بنفسه ومريديه انه وسيلة خدمة وتسويق وتلميع صورة النظام الحاكم ، حكم المدنية الفاضلة التي بشّر بها ((الفارابي)) يديرها أنصاف ملائكة بالضمير المرهف ، والتصرف النزيه النظيف ، واحقاق الحق وإنصاف المظلوم ، وكل قطر عربي يمتلك قناة فضائية وعدة قنوات تلفزيونية صحف ومجلات تقوم على خدمته ليل نهار يقدم نفسه من خلال شراء بعض شخصيات ووجوه المزايدات والنفاق الذين يمثلون ميراث حقائقنا السياسية والثقافية والاقتصادية الحديثة التي حصدنا الكوارث من جرائها – حتى بعض الشخصيات الدينية لم تسلم وتحفظ نفسها من  هذا التوظيف الرخيص في ترويج الأكاذيب في خدمة الحاكم الجائر.

 

مع كل هذا لا يصح الا الصحيح في الحياة فوجود بؤر إعلامية برزت حديثا غير مملوكة للحكومات ولا لمؤسسات تقوم بواجبها بالنقد الجاد وتشخص الانحرافات واعطاء البدائل والدأب المتواصل نحو حقائق الامور وكشفها للناس وان كان لايفي بالغرض المطلوب كاملاً، لكنهم وهذه حقيقة جنود مجهولون وسط قبائل من الإعلام العربي الكاذب المضلل ومثلهم كمثل ((صالح)) في ثمود.

 



 

بريد : موصل – مكتب بريد الجامعة – ص.ب./11096.

علي محمد اليوسف
موصل – العراق
آب2008


 


 

ليست هناك تعليقات: