علي محمد اليوسف
موصل-عراق
ِAug. 2008
الفعالية الادبية والفنية الابداعية وسبقها الادراكي تبدو للناقد إلى جانب مؤثرات سيسيولوجية (مجتمعية) في عملية الخلق الابداعي الفني ممكنا دراستها ، كما هي في الادب والفنون التشكيلية وغيرهما على وفق مناهج عديدة كالواقعية، والرومانسية، والحداثة، والبنيوية في الدراسات الألسنية في الادب، ومناهج الواقعية، الانطباعية، التجريدية، السريالية ،التكعيبية في الفن. وكان هناك ايضا لمدارس علم الاجتماع وعلم النفس والسيرة الذاتية تيارات ومدارس قامت في دراسة الاثر الفني على وفق واحدة او اكثر من هذه المدارس والتيارات منفردة او مجتمعة.
كيف يتأتى لمبدع منتج الفعالية الابداعية الذي يمتاز بالضرورة بالتفرد الموهبي الخاص ذاتية وتكوين المبدع، الغريبة بحكم لا محدوديتها واتساع تعريفها ان تكون موضوعا لدراسة سيسيولوجية يرتد فيها الابداع الادبي والفني إلى عمليات كلية عامة ربما اصبحت في وقتنا الحاضر لا تكون ضرورية نتيجة تطور طبيعي يسري على جميع الظواهر والمتعينات المادية والطبيعية في الحياة.
اذا اعتبرنا الفعالية الابداعية قراءة تنبؤية مستقبلية تريد عبور المتعين في اللحظة الراهنة إلى عوالم المستقبل غير المكتشف غير المألوف المتغير باستمرار يكون علينا التسليم ان الموهبة الذاتية الابداعية استشراف يستبق بالحتم اسباب تفسيره ودراسته بضوء معطيات سيسيولوجية تختلط بخصائص فنية تذهب بعيدا عن محصلة الوعي الثقافي الجمعي الذي انبثقت من رحمه وعادت اليه ثانية لكن بـ (كيفية) مغايرة تماما في التجاوز والتغيير ، وعلينا تثبيت سيرورتها بالشكل: الانا – للمبدع زائدا لها (نحن)المحيط والمجتمع لتعود في النهاية إلى عالم متفرد هو انا الفنان وابداعه فقط في مخاطبة (نحن) .. وفي هذه السيرورة الفنية يتداخل الذاتي بالموضوعي وبمشاركة يصعب تحليلها إلى ما هو ذاتي صرف واجتماعي صرف. كل عملية ابداعية طفرة نوعية في تجاوز المألوف الاجتماعي في مسار عام يتداخل بمنعرجات عديدة لكنه بالنتيجة يقود إلى امام إلى تقدم... والسؤال هل لم يعد هناك جدال ان الخلق الابداعي والمزايدة على سعر اللوحة. وشباك التذاكر!؟ كي لايصاب الخلق الابداعي بالتصلب والتعليب المؤولج للثقافة والفن!؟ لم يعد الامر وحقائق الادب والفن تتقبل الترسيم بهذه الفجاجة وهذا مدخل يأخذنا إلى ما هو اكثر صعوبة اكثر اهمية اكثر صدقا... ما هو معيار الادب او الفن التاريخي الحضاري في معايير اليوم!؟ لم يعد مطروحا على العملية الابداعية مثل هذا التناول الجاد (اليوم).
فمبيعات كتب الفضائح والاثارة ومجلات الطبخ والازياء والتعري وقراءة الطالع اكثر رواجا من مبيعات من روايات وادب وفكر وفن العديدين من الحاصلين على جائزة (نوبل) في الادب !! واسواق المزايدات العالمية على اسعار اعمال فان كوخ ورسومات رامبرانت ولوحات دالي وبيكاسو من المتعذر قياس (قيمتها) الفنية اليوم أو بعد قرن من الزمن بمقياس ثمنها النقدي المباعة او المشتراة به!! واكثر اقبالا على شباك التذاكر – سينما وعروض مسرحية – هو في الاقبال الاكثر جماهيرية نحو الهابط منها وبعضها لا يتقبلها خيال معتوه في حين تركن بالظل ورطوبة النسيان عشرات الافلام الوثائقية والتاريخية وكذا مثلها في العروض المسرحية التي تعالج مصائر مجتمعات وشعوب في الصميم. لم يعد سهلا تمييز الغث من السمين في الابداع، معايير التقييم السليم الادبي والفني لا وجود حقيقي لها حين نستهجن التعليب الايديولوجي المسيس للادب والفنون يتحتم على كافة اشكال الابداع الثقافي والفني ان تخرج من جلباب الاكلات السريعة والازدراد دون المضغ والاستهلاك المتلاشي مع اثره ايضا. وهذه الاشكالية تجعل من احتماء التجريب الدائم في (الشكل) مسألة اكثر من مشروعة.
سبق وعي المبدع المتقدم جدا بالمقياس لوعي المتلقي المتخلف لاكثر من سبب لايكون فاعلا مؤثرا وذا اهمية كبيرة من ناحية امتلاك الموهبة الفردية لمعيار الابداعي الجيد الا اذا كان مشروطا بوعي اجتماعي عال ناضج يستوعب النتاج الابداعي يفهمه يتذوقه ينتقل به منبجس منبعث من ضرورة واقعية تضج بالحياة وصخبها الحركي غير المحدود. الابداع لن يكون خالدا متطاولا على زمنه فنيا وجماليا مالم تصحبه رؤيا اجتماعية تعين مصدر هذا الابداع والى اين يتجه وفيمن يؤثر ويخاطب وكم يحمل من الصفات المحلية والهوية المميزة التي هي طريق ولوج العالمية.
تعتبر باحثة علم الجمال دنيس هويسمان انه لا يمكننا كشف النبوغ بواسطة سايكولوجية ولغة الفن ونبائيته بل بفضل سيسيولوجيته ومما يؤكد هذا الرأي انه في حال دراسة صراع العبقرية مع البيئة الاجتماعية فأنها تبدو اقل تعارضا مع علم الاجتماع قياسا لدراسة انسجام النبوغ في الخلق والاكتشاف مع الحاجات الاستاتيكية (الجمالية) للنخبة المثقفة الموهوبة. واجتماعية المصدر الالهامي الابداعي لايقود إلى رفض وشجب وعدم تطوير الانتاجية الابداعية بتأثير واقع انشدادها من والى فهم وتصوير تذوق استجابة وانفعال الجمهور المتسم بالسرعة والكسل في التلقي.
يرى جورج لوكاتش ان الواقعية ليست اتجاها ادبيا كغيره من الاتجاهات التي تظهر وتختفي عبر الازمنة وانما هي دائما اساس كل ادب.
كما ترى يمنى عيد في كتابها "النقد العربي والنقد الغربي نصوص متقاطعة" فكرة باختين التي صاغها في كتابه "الماركسية واللغة" فالكلمة عنده تعكس انزلاقات الوجود الاجتماعي التي يصعب ادراكها.
نبوغ العملية الابداعية والإلهام والسبق الادراكي عنها يكتسب اهمية تمايزه وعبقريته من انتمائه الاجتماعي المحيطي البيئي المنبثق عنه المرتد عليه وهذا وحده يقرر عبقرية الابداع وتميزه وتمجيده وبالتالي خلوده ام لا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق