علي محمد اليوسف
(1)
ينتظم عنوان هذه الدراسة الطويل مدخلا سريعا يؤكد حضور منهج فكري ادبي نقدي في مقارنة المضامين الاسلوبية والشكلية الفنية الجمالية التي انتجتها الواقعية الاجتماعية ، بمدلولات ومنطلقات تؤكد تاصيل الهوية العربية القومية والمحلية الاجتماعية التي هي نضح الواقع العربي بكافة مكوناته وخصوصيته المميزة…
وربما ياخذ بشكل عسفي بعض المعنيين بشؤون الأدب العربي والشعري من نقاد ، وكتاب تاريخ الأدب العربي اننا بهذا الطرح نصنف في خانة المتخلفين عن مسايرة ركب الحضارة .. والمتابعة السريعة المستمرة التي يعيشها العالم اليوم من حولنا في مدارس واتجاهات وأساليب نقدية أدبية وفنية وجمالية معاصرة في مثل الحداثة وما بعد الحداثة والبنيوية والتفكيكية … الخ.
ولدرء مثل هذا التصنيف غير القائم على العقلانية والموضوعية والواقعية نلخص التالي:-
1- ان التذكير بمنهج الواقعية الاجتماعية في ظل ظروفنا العربية المتباينة الاتجاهات والتجاذب المشتت لقوانا الذاتية ليس مبعثه رغبة شخصية مؤدلجة الانتماء وان كان هذا على افتراض حسن النية المتحررة من اية وصاية تمثل اولى درجات الصدق مع النفس والآخرين ولن تجد مثقفا واحدا لا تحكمه آراء مسبقة وانفعالات ذاتية يتحيز لها…
2- المعايشة الامينة لما نلمسه في واقعنا الثقافي الأدبي والفني من انقطاع وشائج التواصل الترابط النسيجي المتفاعل تأثيرا وتأثرا بالمحيط وبالبنية الاجتماعية والمرتكزات المادية والنفسية التي تحكم الشارع العربي في حين نجد مبدعينا من المثقفين والأدباء يتسابقون لاستيراد آخر صيحات (الحداثة) و (البنيوية) الأجنبية المستوردة ، مع قارئ عربي لا يتعدى محصلة تفكيره الثقافي والفني بدايات الواقعية التي أعقبت انهيار سلطة الاقطاع في اوربا على وجه التحديد ومجيء البرجوازية التي احتضنت في معامل تفريخها الرومانسية الحالمة المتوازية مع الاستلاب المقيت للانسان…
3- درجة (تاريخية) و (حضارية) المجتمع العربي ليس على صعيد الاستهلاك للمنتج الحضاري ، ولكن على صعيد التشكيل الابستمولوجي (المعرفي) المفهومي تربويا وتعليميا وثقافيا وليس المقصود استهلاك التقنية السلعية التي يحتاجها الانسان العربي في حياته اليومية .. وانما نحن نتكلم عن بنى فوقية وما ينشأ عنها وما تفرزه من تقنية فكرية ادبية فنية وجمالية ، فقد اضحينا في هذا الجانب مزدوجي الاستهلاك المعارفي – الثقافي بالنسخ المهجن الذي يضع قدماً على ارضنا العربية وقدما اخرى على الارض الأجنبية…
((2))
تحتفظ المنطلقات التي اشرنا اليها في معالجة وتاشير موضوعة (الحداثة) في تجديد الشعرية العربية المعاصرة من وجهة نظر تحليلية سيسيولوجية (اجتماعية) وتبيان تاثيرها في تقصي الابعاد الثقافية ، الأدبية العصرية لاسلوب (الحداثة) مفاهيميا وابداعيا في تلمسنا نشدان حضور منهج نقدي عربي معاصر الذي ساد ابتداءا في ادبياتنا وثقافاتنا منذ النصف الثاني في خمسينات القرن العشرين … وهو منهج ليس يفرضه واقع حال ما ادرجناه سابقا وانما تفرضه ايضا درجة حضارية تقدم المجتمعات العربية بضوء العمل من اجل مشروع عربي نهضوي مع الاخذ جيدا بالاعتبار جدا تخلف البنى التحتية للمجتمعات العربية عموما…
ان هذه المنطلقات السيسيو-تاريخية في تحليل ودراسة واقع الحداثة العربية عادت للتاكيد عليها امم وشعوب اخرى سبقتنا جدا في مجال (التجريب) الادبي-الفني-الثقافي فهذا (روبرت جاوس) يؤكد (( ان الأدب يخلو من تاريخ خاص)) بمعنى النمطية في سيرورة التاريخ الادبي على مستوى جميع الامم والشعوب .. كما يقول ايضا الروائي النايجيري الشهير ((وول سونيكا)) في معرض اجابته على استطلاع اجرته مجلة فرنسية شملت آراء اكثر من خمسين كاتبا واديبا وشاعرا من مختلف جنسيات دول العالم….
سألتهم المجلة : لماذا ولمن تكتب!؟
فأجاب : ( إن الأدب ظاهرة اجتماعية للمجتمع وانا لا اعرف مجتمعا حتى في اسوأ حالات ومراحل الانحطاط لم يكن الأدب فيه خادما لطموحاته ليس على الأدب ان يعكس الحياة فقط
بل ان يتدخل وبشكل فاعل لاحداث تحولات فيها ويقدم صورا أرقى ونماذج أسمى للحياة))([1]).
((ان التعامل مع الأدب يعني الوصول الى تفاهم اجتماعي بين الناس لا يساهم فيه المؤلفون فقط بل القراء ايضا وبنصيب فاعل وبالتالي يتم ايصال التجربة الجمالية الاجتماعية وعبر هذا الاتصال تتماسك مسيرة التاريخ الادبي والمسيرة الاجتماعية تماسكا شديدا))([2]).
(( وان نظرة بسيطة على الشعر الاوربي المعاصر ولا سيما الانجليزي منه في العقدين السادس والسابع من هذا القرن تكشف وجود اتجاه جديد من الشعراء الشباب من امثال براين باتن ، واوريان هنري ، ملتزمان بالعودة بهذا الشعر الى ينابيعه التلقائية الصافية محتجان على الاسراف في الثقافة والتطرف واستعمال الرموز الاسطورية والتاريخية مستمدا مادته ومضمونه من واقع الحياة الاجتماعية وافراح الناس العاديين وهمومهم أي العودة بالقصيدة الانجليزية الى البساطة والواقعية.))([3])
إن النبض التاريخي للعمل الادبي لا يقبل دون الاشتراك الحيوي الفعلي للقارئ فبواسطته يتغير منظور العمل التجريبي والعلاقة بين الأدب والقارئ تشتمل على دلالة جمالية وتاريخية وان ي نص ادبي لا يكتب على الاطلاق من اجل ان يقرأ او يفسر تفسيرا لغويا فقط على حد تعبير (وولتر بوست)).([4])
وبنفس المنحى يقول اوسكار وايلد: (( ليس الفنان حقيقة معزولة ومنعزلة انما هو محصل بيئة معينة ومحيط معين.))([5])
ويقول ايضا د.هـ. لورنس : (( الفنان الحقيقي قائد روحي لمجتمعه وان رسالته هي كشف سر الحياة وخلق امكانية جديدة عبارة عن عنصر غريب في الحياة.))([6])
ومن الافتراضات الاساسية في تطور فكرة الثقافة الفرضية التي تقول ان فن فترة معينة يرتبط ارتباطا وثيقا وضوروريا بطريقة الحياة السائدة على نطاق عام فضلا عن الاحكام الجمالية والاخلاقية والاجتماعية تتشابك بالتالي فيما بينها تشابكا قويا وتقبل الآن تلك الفرضية على نطاق شامل.([7])
ولم يكن القلق عندنا على مستقبل الأدب وتحديدا مستقبل الشعر باقل مما ذهب الاستاذ د.عناد غزوان في كتابه المشار له في الهامش (مستقبل الشعر) اذ يقول : (( ان هذا التمرد الشعري قد اسهم الى حد ما في التمهيد لخلق ازمة تعبير عانت منها القصيدة الجديدة وهذه المعانة هي جزء من ازمتها الشعرية المعاصرة المتمثلة باستغراقها المطلق بالرمز والتضمين والانكفاء على البعد الثقافي او التجريد وابحارها العميق والبعيد في متاهات التعقيد بل الغموض ولكن هل وقفت القصيدة العربية باتجاهها المتمرد هذا الى خلق لغة شعرية معاصرة تستطيع ان تخاطب وجدان هذا العصر!؟)([8]).
((3))
ان المرتكزات والمنطلقات النظرية التي اشرنا لها في تاكيد اهمية دراسة تاريخ الأدب العربي المعاصر بمعيار نقدي سيسيولوجي تحدده الموجبات التالية:
أولا: ان دراسة وتطبيق ومنهجة تاريخية الحداثة الأدبية في القصيدة العربية والفن التشكيلي على سبيل المثال وتبيان تغليب المؤثرات الأجنبية … أطلت علينا كما ثبتها لنا بعضا من المهتمين بدراسة تاريخ الشعر العربي وقضاياه كأهداف اسرفنا في اعتمادنا الخاطئ واسرفنا في تقديسها لدرء تهمة الشعور بالنقص الابداعي واخلاصنا المستميت دونما تمحيص وروية في تبيانها والدفاع عنها في الانحياز التام لها ، والباسها قسرا الواقع التحديثي العربي المعاصر انما جاء على حساب اغفال وطمس الكثير من الملامح المحلية وتأصيل مميزات الهوية القومية ولم نعتبر استيرادنا بعض اساليب ومفاهيم وتنظيرات الحداثة الأجنبية (وسائل) توظيف للإفادة منها بالشكل الصحيح وانما اعتبرناها (غايات) و (اهداف) اثبات حسن سلوك لمعاصرتنا الهجينة لها ثقافيا…
ان الحداثة الأدبية-الفنية العربية لم يجر تاكيد (وسيليتها) في توظيفها خدمة الواقع العربي الثقافي في تأزم معظم مناحي الحياة فيه لوجدنا ارضا بكرا للاستثمار بجوهر علاقاتها التي تعتمد داخل تكوين المجتمعات العربية التي ولحد الآن اهم وافضل كل الوجوه والسمات التي تستأهل منا صرف (أزمان) من الاستثمار الحقيقي الجاد الاصيل لها فعلا … والحداثة العربية الشعرية خاصة التي تتوخى مستقبلا لها يقربها من العالمية لم تكن ضد نزعة استحواذ تهديم الاطر والاشكال الفنية التي لم تعد تلائم وتنسجم اتساقا وحركة التطور الانساني الحضاري للمجتمع العربي وكفى …. في حين كان المطلوب ان لا تقع الحداثة العربية في فخ هوس استيراد تجارب لا تصدر – كونها نسخة كاربونية لنتاج حضارة اجنبية معقدة وممعنة في الاغراء والصرعات وبذلك سقط اديبنا ومثقفنا في منطقة الظل من حركة المجتمع وبناء خصوصياته المميزة … واصبحت افرازات الحداثة العربية الهجينة لدى الاديب او المثقف العربي استنفادا رهيبا في حرف طاقته الإبداعية في غير وجهتها الصحيحة وهدرها في (تجريب) سائب لا يصدر عن ملكة ابداعية اصيلة واعية لها جذورها في ديمومتها ورقيها بما يكفل الاقتحام في المساهمة المسؤولة في ارساء حضور عربي تاريخي للمجتمعات العربية يقوم على مرتكزات انسانية تنشد نهاية المطاف خلق نموذج عصري للانسان العربي …
ثانيا:ان تاريخ توظيف الحداثة العربية ثقافيا وادبيا وفنيا اقترن توقيته تاريخيا –خارج نطاق السيطرة عليه –مع تزامن وجود ازمة الواقع العربي المعاصر بتداخلاته وتناقضاته السياسية والفكرية المتصارعة المحتدمة احيانا … هذا من جهة… ومن جهة اخرى بقيت الحداثة العربية ولاتزال الى الان (بؤرة) مركزية في اشكالية علاقة المعاصرة بالتراث المعلقة وعلى صعيد اكثر من منحى ايديولوجي وفكري وثقافي بازمة الشد والجذب ومايستتبع ذلك من اجتهادات متباينة مختلفة احيانا تتجذر تاثيراتها في العمق الشمولي للحياة الاجتماعية حتى تصل (الخلافات) الى بعض المفردات الحياتية وتفاصيل التعامل اليومي والعلاقات بين الناس .
اذن الحداثة العربية كظاهرة وليست نمطا اسلوبيا من اساليب الحياة الواقعية ،كانت بعض عوامل انبثاقها ذاتية نابعة من خصوصية تاصيل الحس القومي العروبي والحفاظ على هذا التاصيل ، والعوامل الموضوعية المحكومة بخاصية الزمن التغييرية وتاثير ذلك على الانسان والبيئة والنفسية والمجتمع كلية … ومن ابرز مقومات العوامل الموضوعية تمثلت في استيراد الحداثة وبهذا كانت ازمتها التاريخية ،وكانت هذه الحداثة العربية في مجتمعاتنا العربية وبالذات الوضع الثقافي لم تكن ممثلة باشكالية محصورة النطاق على الجانب الثقافي وان كانت ابرزها ، بل ان ازمتها التاريخية –الحقيقية كانت في عزلتها عن حراك الواقع العربي ايديولوجيا واقتصاديا واجتماعيا بكل تفاعلات وتداخل هذه المناحي …وكانت ايضا جزءا من (كل) واقع عربي مازوم وبقيت الحداثة عربيا معلقة في فضاءات وتفاصيل البنى الفوقية النخبوية للمجتمع لم تحقق قيمتها بمعنى ان حفرت لها امتدادا عموديا متجذرا في ارضية الواقع العربي ولا حققت ايضا امتدادا افقيا سطحيا شاملا على صعيد البنى الفوقية التي رعتها ونمت واكتملت في احضانها … وبقيت الحداثة العربية كنتيجة طبيعية لما مرّ ذكره (منعزلة) واقل ما يقال في حقها اغترابها عن محيطها.
ثالثا : ان تاريخ الحداثة العربية الفكرية الثقافية وفي غياب المنهج النقدي التقويمي المسير برسالته الوطنية والقومية والتاريخية تمت دراسته وتعميمه تربويا وحتى في الجامعات على ايدي اساتذة ونقاد وموثقي تاريخ الأدب العربي وحتى من فيهم بعض المستشرقين بمنهجية غير قومية اذ عمد معظمهم الى تقويم معطيات الحداثة العربية على وفق نظريات مقتبسة متاثرة بتجارب واتجاهات ومدارس ادبية وفنية ثقافية ، واوربية !!!وبهذا القدر او ذاك –تحت وطاة الشعور بالتخلف والبطء عن مواكبة العصر تجاه تلك المدارس الغربية واتجاهاتها الليبرالية الحديثة في الأدب والفن ..مما احدث انقطاعا حادا في عدم تواصل الانماط والاساليب الشعرية الحديثة مع الذائقة والتفكير الثقافي المعلب باشتراطات موروثة تراكمية ليس من السهل التحرر والخلاص منها … كي تلقى الاجتهادات والتجريب الفني الادبي تجاوبا تاثيريا حقيقيا بما يصقل شخصيته القومية ويبرز هويته الانسانية المميزة ..كما طبق هؤلاء المثقفون العرب من المهتمين بدراسة التاريخ الأدب العربي ومعطياته الفكرية الجمالية نتيجة اطلاعهم وبعضهم في لغة تلك الاداب الاصيلة انجليزية ، فرنسية على تيارات ومدارس الاداب الغربية ودراساتهم وتحصيلهم التخصصي الاكاديمي وخبراتهم الشخصية وتاثرهم بمناهج النقد الأجنبية … ولا يعني هذا ابدا اننا لم نستفد من تلك التجارب الانسانية العالية المستوى الثرة الغنية فمثل ذلك ادعاء ساذج ومكابرة فارغة … فالانفتاح الثقافي والادبي والفني حقيقة واقعة حتمية قبل ان يكون ضرورة معرفية للامم والشعوب كافة…
رابعا:المسالة الاخرى ان الحداثة العربية الشعرية والتنظير النقدي في الرواية والقصة القصيرة والمسرح والفنون التشكيلية تمت دراستها وتم توثيقها وكتابتها كجزء من (تاريخ الأدب العربي) المعاصر في غياب او بالاحرى في الاهمال المقصود في المجاوزة على عدم ربط جميع تلك الخصائص الحداثوية في الإبداع بوشائج الارتباط العضوي بالمنطلقات الفكرية التقدمية والايديولوجيا التي عالجت موضوعة الحداثة العربية من زاوية كونها مرتكزا تعتمده في تحقيق السعي نحو المشروع النهضوي للامة واستعادة الدور الانساني والحضاري لها ….
ويشفع لاساتذتنا المبدعين والاكاديميين القطيعة والتقاطع مع التوجهات الايديولوجيا ، ممن يعنيهم الامر دون سواهم الظروف السياسية ، الاجتماعية ، الاقتصادية الصعبة والتي لا يزال بعضها يفعل فعله السلبي في جسد الامة لحد الان ، تلك الظروف التي وطأت بثقلها وكابوسها المقيت فابتعد الأدب الجديد-المعاصر كبنية فوقية مفروزة عن واقع مجتمعي مادي مترد عن الاهتمام بتاسيس مفهوم ومنهج يجعل من الحداثة الثقافية الفكرية وعيا اجتماعيا مشروطا بضرورات تاريخية حضارية شاملة من اسبابها-اسباب القطيعة –تحسب ومخافة ان يفهم عنهم انما يمثلون بارائهم ادب وثقافة المؤسسات الاعلامية الحكومية وان كان بعضهم رضي وقبل الدور وقام به بما يرضي الاعلام الرسمي ويحقق له امتيازاته الثقافية لا بما يرضي تلبية حاجة المجتمع التنويرية ….وبقيت الحداثة العربية المتحققة في بنى المجتمعات الفوقية، حداثة نخبوية مقطوعة الصلة والجذور باي انتماء حقيقي جاد يهتم بمعاناة وهموم تطلعات عموم الجماهير…
وكان لموقف بعض المفكرين والادباء سببهم المقنع لحد ما انهم انكروا على الواقع العربي المازوم وعلى الايديولوجيات السائدة في تجاربها الفاشلة امكانية امتلاكها استحضار حداثة شمولية لمختلف جوانب الحياة ، او ايجادها مؤسسات معرفية ثقافية علمية يتخلق عنها ، وينبثق منها بدايات مشروع نهضوي ينقل بعض المجتمعات العربية ان لم يكن جميعها نقلة نوعية متقدمة…
ومن هنا جاءت – مشروعية لا بل ضرورة – التعويض عن الالتجاء والتوجه اكثر من السابق نحو الثقافات الأجنبية وادابها وتياراتها واتجاهاتها التجريبية الجمالية المتسارعة وعدم اضاعة الوقت من الاستزادة والاخذ منها والافادة من معطياتها الجديدة المعاصرة…
فاصبحت والحالة هذه توجه أي منطلقات ثقافية فكرية رصينة تحاول ان تجعل من الحداثة العربية عامل (خصخصة) للعام والسائد من الثقافة المسطحة التي تتداولها الاجيال بحجة الخوف من ضياع الهوية وتشويه ملامح ومعالم الاصالة ، اصبحت مثل تلك التوجهات عاجزة تماما حتى عن تعديل الكثير من الاراء الخارجة عن خط سيرها الطبيعي ، والاجتهادات الغير صائبة ، الخاطئة ، الغير موفقة في تقابل قطبيها ، المحافظ والليبرالي ، حتى غدت الكثير من وجهات النظر النقدية المعيقة لحراك مجتمعاتنا العربية نحو الامام ووضع خطواتنا على عتبة مفاهيم حداثية تجديدية عصرية في حكم القناعات المسلم بها الثابتة المحرم ان يطالها النقد والنقض والتقويم من قريب او بعيد … ضربا من العبث والمستحيل…
وبذلك فشلت بالتالي الكثير من محاولات الجدية من امكانية اسقاط العديد من النظريات واثرها على الإبداع العربي المعاصر بل وحتى في تدريسه ونشره..
ما يقلل من قتامة هذه الصورة ظهور كتابات وابداعات في شتى ضروب المعرفة اسهمت ولا زالت اسهاما عظيما في التزام قضايا الانسان العربي والسعي المثابر الجاد من تحقيق بعضاً من طموحاته واثراء ثقافته المسطحة بالتراكم الكمي وليس الكيفي واغنائها بالمستقبلي الجديد… مثل اولئك الصفوة المميزة لا ينكر فضلهم ولسنا في موضع الوصاية على تقويم وتصويب ما ابدعوه فهي ليست غايتنا هنا…
هذه الصفوة المفكرة فهموا الحداثة العربية بعيداً عن قناعات مسبقة غير صائبة ونظريات جاهزة معلبة تغري بالاستهلاك المضلِل السريع وارادوا بصدق ان ينشروا مفهومهم النابه الذكي لتوظيف الحداثة العربية بأصالة تعتمد خصوصية الوضع العربي وميراثه ، وندية الاصول المعرفية الحضارية للابداع العربي في التوازي والتلاقح – وليس شرط الاصطدام والرفض- مع تيارات الإبداع الأجنبية والافادة منه بفهم منهجي علمي رصين وتوجه مدروس